العفو عند المقدرة..!!
عرفنا عبر التاريخ..بأن لأجدادنا العرب القدماء
عادات وتقاليد وشيم عربية أصيلة ونادرة..
وقد رُويت الكثير الكثير من القصص
عن جمال هذه العادات والشيم الأصيلة.
وخصوصا تلك التي جمعت بين عادات العرب الأصيلة
وجمال وعفة وشرف ديننا الجميل..
ومن ما قيل وحكي عن هذه العادات والشيم
الأصيلة هذه القصة التي سنرويها لكم..
وهي بعنوان..
" العفو عن المقدرة "
في زمان الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب
رضي الله عنه الذي أشتهر بالقوة والعدل.
جاء شابان إلى سيدنا عمر في مجلسه،
وهما يمسكان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه.
فقال الفاروق: ماهذا ؟؟
قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل قد
قتل أبانا.
فسأله الفاروق: أقتلت أباهم؟
فأجاب البدوي: نعم قتلته.
قال الفاروق: كيف قتلته؟
أجاب البدوي: قد دخل بجمله في أرضي، فزجرته،
فلم ينزجر، فأرسلت عليه حجراً، فوقع
على رأسه ومات.
قال الفاروق: فهو القصاص إذاً.
هذا هو قرار الفاروق رضي الله عنه، حكمٌ سديد
لا يحتاج مناقشة، فلم يسأل عمر رضي الله عنه
عن أسرة هذا البدوي، هل هو من قبيلة شريفة؟
أم هل هو من أسرةٍ قوية، أو ما مركزه في المجتمع.
كل هذه الأمور لا تهم الفاروق عمر رضي الله عنه.
لأنه لا يحابي أحداً في دين الله، ولا يجامل أحداً على
حساب شرع الله، حتى لو كان القاتل هو ابنه،
لاقتص منه عمر.
قال البدوي: يا أمير المؤمنين، أسألك بالله الواحد القهار
فاطر السموات والارض الحي القيوم أن تتركني ليلة،
أذهب بها إلى زوجتي وأطفالي في البادية،
فأخبرهم بأنك سوف تقتلني، ثم أعود إليك،
فوالله ليس لهم أحد إلا الله ثم أنا.
فقال عمر الفاروق: ومن يكفلك بأن تذهب إلى البادية،
ثم تعود إلي لتقتل؟؟
فسكت الناس جميعاً، فهم لا يعرفون حتى اسمه
ولا خيمته، ولا داره ولا قبيلته ولا منزله، فكيف
يكفلونه، فهي كفالة كبيرة وليست كفالة
على عشرة دنانير ولا على أرض أو ناقة،
بل هي كفالةٌ على الرقبة أن تقطع بالسيف..
ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله؟
ومن يشفع عنده؟ أو حتى يفكر في وساطة لديه.
فسكت الصحابة كلهم، وعمر الفاروق متأثرٌ،
وهو في حيرةٍ من أمره، أيقتل الرجل بما فعلت يداه،
وأطفاله يموتون جوعاً بانتظاره هناك، أم يتركه يذهب
بلا كفالة ولا كفيل، فيضيع دم المقتول، الناس ساكتين
لا يعرفون ما يقولون، ونكّس عمرٌ رأسه،
ثم التفت الفاروق إلى الشابين وقال لهما:
أتعفوان عنه..؟؟
فأجابا: لا.. من قتل أبانا لابد أن يقتل
يا أمير المؤمنين.
فقال عمر: من يكفل هذا الرجل أيها الناس؟؟!
فقام أبو ذرٍ الغفاري بشيبته وزهده، وورعه وصدقه
وقال : يا أمير المؤمنين، أنا أكفله.
قال عمر: هو قاتل..
أجاب أبو ذر: حتى لو كان قاتلا.
فقال: أتعرفه؟؟
أجابه: والله لا أعرفه.
فقال عمر: فكيف تكفله؟؟
أجاب أبو ذر الغفاري: رأيتُ فيه سمات المؤمنين،
فعلمت أنه لا يكذب ولا يغدر، وسيأتي كم وعد
إن شاء الله.
فقال عمر: يا أبا ذر أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث ليال
أني تاركك؟؟
قال أبو ذر: الله المستعان يا أمير المؤمنين.
فأطلق عمر الفاروق الرجل البدوي لثلاث ليالٍ ، يذهب
بها إلى أهله ويهيء نفسه، ويودع أطفاله وأهله،
وينظر في أمرهم بعده، ثم يأتي ليقتَصَّ منه...
وبعد انقضاء الليالي الثلاثة، لم ينسى عمر الموعد،
فكان يعد الأيام عدّاً، وفي العصر نادى في المدينة..
" الصلاة جامعة " فجاء الشابان، واجتمع الناس
وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر، قال عمر :
أين الرجل البدوي؟!!
قال أبي ذرٍ الغفاري: ما أدري يا أمير المؤمنين.!!
ونظر أبو ذر إلى الشمس وكأنها تمر سريعة على غير
عادتها، وسكت الصحابة كلهم، وعليهم من التأثر
ما لايعمله إلا الله.
صحيحٌ أن أبا ذر يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له
من جسمه إذا أراد... ولكن!! هذه شريعة.. وهذا منهج
وهذه الأحكام ربانية، لا يلعب بها اللاعبون، ولا تلغى
برأي فلانٍ أو غيره ولا تنفذ على أناس
دون أناس آخرين، فالكل هنا سواسية.
وقبل الغروب بلحظات إذا بالرجل يأتي مسرعا
وهو يلهث، فكبّرَ عنر الفاروق وكبر المسلمون معه!!
فقال عمر الفاروق رضي الله عنه: أيها الرجل أما إنك
لو بقيت في باديتك، ماشعرنا بك ولا عرفنا مكانك..!!
أجاب البدوي: يا أمير المؤمنين.. والله ما عليَّ منك،
ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وما يخفى،
وها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير
لا ماء ولا شجر في البادية، وجئتك لأقتل..
فقد خشيتُ أن يقال.. لقد ذهب الوفاء بالعهد
من الناس.
ثم سأل عمر أبا ذرٍ الغفاري: لماذا ضمنته..؟؟
فأجاب أبو ذر: خشيت أن يقال لقد
ذهب الخير من الناس.
فوقف عمر الفاروق وقال للشابين: ماذا تريان؟؟
قالا وهما يبكيان: قد عفونا عنه يا أمير المؤمنين
لصدقه.. وقالوا: نخشى والله أن يقال لقد
ذهب العفو من الناس.
قال عمر الفاروق ودموعه تسيل على لحيته:
الله أكبر.. جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما
وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ .. يوم فرجت عن هذا الرجل
كربته، وجزاك الله خيرا أيها الرجل الصادق
لصدقك ووفائك بوعدك..
وجزيت عنا خيرا يا أمير المؤمنين عمر الفاروق
رضي الله عنه
لعدلك وصدقك مع الناس
هكذا هي الأخلاق العربية الإسلامية الأصيلة
التي نفخر بها في تاريخنا العربي والإسلامي