قطرات المطر.. ستشهد..!!
إن أغلبنا، إن لم يكن كلنا يحب
أن يصبح غنيا..
ويتمنى ويحلم بذلك اليوم،
ولكن الصديقان سمير ومحمود
كانا يحلمان ويسعيان جاهدين
لتحقيق هذا الحلم،
لكن..!!
عن طريق المال الحرام.
فقد كانا محترفان في سرقة المنازل
والفيلات والمحلات الراقية.
وفي ليلة حالكة السواد.. والمطر يهطل فيها
بغزارة، كانا يحاولان اقتحام إحدى
هذه الفيلات لسرقتها كالمعتاد.
وفي دقائق قليلة، أخرج "سمير"
وهو الأصغر سناً أدواته من حقيبته
الصغيرة، وفتح أبواب الفيلا
الواحد تلو الآخر، وسرعان ما كانا
داخل الفيلا دون أن يشعر بهم أحد.
ثم أخذا يبحثان عما غلى ثمنه وخف وزنه.
وبينما هما يبحثان معا، رأى محمود وهو
" الأكبر " خزانة كبيرة وكأنها
تخفي شيئا خلفها.
فقال مازحا: أتذكر يا سمير ذلك الفيلم
الذي شاهدناه معا وكان هناك خزانة
شبيهة بهذه.
أجاب سمير ضاحكا: نعم وعندما قام بطل
الفيلم بجرها رأى خلفها بابا سريا ..
هههه
وضحك الاثنان وبينما هما يضحكان،
وضع محمود يديه خلف الخزانة
وسحبها قليلا إلى الأمام.
وهنا كانت المفاجأة....!!!
فقد وجدا فعلا بابا سريا خلفها كذلك
الذي شاهداه في الفيلم،
وبسرعة تعاونا على سحب الخزانة إلى الأمام،
ودفعا الباب ولكنه كان مقفلا، وفي لحظات
كان القفل يتهاوى بين يدي سمير كالعادة،
وسريعا ما كانا داخل هذه الغرفة السريّة
التي كانت غرفة كبيرة وليس
فيها شيء
إلا طاولة كبيرة وكرسيها الجلدي فقط.
وجلس محمود على الكرسي وصار
يبحث في أدراج هذه الطاولة، وإذ بشيء
يصطدم بقدمه تحت الطاولة في الظلام.
وعندما وجه مصباحه اليدوي نحوه،
وجد حقيبة سوداء فحملها على الفور
ووضعها فوق الطاولة، وعندما فتحها..
نظرا الصديقان لما بداخلها
وهنا كانت المفاجأة الكبرى.
وسيطر الصمت عليهما ولم يتفوها بأي
كلمة بعد ذلك المشهد..
الذي كان أشبه بحلم.. فالحقيبة كانت
مليئة بالدولارات عن آخرها،
ومسدس حربي صغير.
وبعد دقيقة قاطع محمود هذا الصمت
قائلا: هيا يا سمير دعنا نأخذها
ونخرج بسرعة، قبل أن يأتي أحد
فإن هذه النقود تكفينا نحن
وأولادنا طوال العمر.
أجاب سمير: نعم نعم فعلا أظن بأن فيها
أكثر من مليون دولار.
محمود: قل ٣ ملايين ولا تخف..
ألا ترى.. كيف هي ممتلئة عن آخرها.
سمير: نعم.. ثلاثة.. ملايين.. دولار..
أصبحنا أغنياء.. أغنياء.
وحمل محمود الحقيبة وخرجا سريعا
إلى حيث كانا يخبئا دراجتهما النارية
خارج الفيلا، وركباها وانطلقا مسرعين.
وبينما هما في الطريق والسعادة تغمرهما
قال سمير: دعنا لا نذهب الى المدينة
في هذا الساعة المتأخرة من الليل،
فإني أخشى أن نصادف حاجزا للشرطة
في مثل هذه الأوقات فنخسر كل شيء.
محمود : نعم صدقت، ولكن إلى
أين سنذهب؟؟
سمير: أتذكر البيت الريفي الذي كنا
نختبئ فيه دائما في أوقات الخطر،
دعنا نذهب إليه الآن
وهناك سنقرر ماذا سنفعل.
وانطلقا إلى ذلك البيت الريفي، ليختبئا
فيه.وفور وصولهم أفرغا النقود
من الحقيبة وجلسا معا يعدان النقود
وهما في غاية السعادة.
وكان المبلغ الموجود هو مليونين
ونصف المليون دولار،
وجلسا يفكران بما سيفعلانه بها.
وكانت النتيجة هي أن يقصدا مدينة بعيدة،
لا يعرفهم فيها أحد، أو حتى يفكر
أن يسألهم من أين لك هذا..!!
ثم خلدا للنوم في مكانهما على الأريكة،
حتى ظهر اليوم التالي فاستيقظا
وبدأ يجهزان خطة الرحيل..
وبينما كان محمود واقف على باب
البيت، يشاهد قطرات المطر
وهي تنزل على الأرض.
سمع صوت حركة خلفه وعندما التفت،
تلقى ضربة قوية على رأسه فسقط
مغشيا عليه فورا.
وعندما استيقظ وجد نفسه مقيدا داخل
حفرة كالقبر، وصديق حياته سمير
يرمي التراب عليه.
فقال محمود: أستدفنني حياً من أجل
المال يا صديق عمري.
سمير: أعذرني، فقد اتخذت قراري،
وأريد أن أبدأ حياةً جديدة،
لا أحد يعلم فيها أي شيء عن ماضيَّ.
محمود: لقد كنا معا في السراء والضراء..
لسنوات طويلة.. والآن لدينا من المال
ما يكفينا نحن وأولادنا مدى الحياة.
سمير: اعذرني، يجب أن تختفي كل الأدلة،
لكي أستطيع العيش ولا أحد يعرف سرّي.
ثم صوب المسدس الذي كان في الحقيبة
مع النقود باتجاه صديقه محمود.
عندها قال محمود:
" أتظن بأنك إن قتلتني لن تترك أحدا..
شاهداً عليك..!!
أترى قطرات المطر هذه..
هي من ستشهد عليك وتفضحك...
ستفضحك يا سمير أتسمع.. ستفضحك ".
ودوى صوت الرصاصة مخترقةً
جسد محمود، ثم أكمل سمير دفن
صديقه وأخفى كل الأدلة،
ثم أخذ النقود ورحل بعيدا.
وابتدئ حياة جديدة بإسمٍ جديد،
وتزوج أيضاً من إمرأة جميلة،
وعاشا معاً في سلام.
وفي يوم من الأيام كان السيد "غريب"
(سمير سابقا) يقف على نافذة بيته الكبير،
وقطرات المطر تهطل على زجاج النافذة.
فتذكر كلام صديقه "محمود" عندما قال:
" أتظن بأنك إن قتلتني لن تترك أحدا..
شاهداً عليك..!!
أترى قطرات المطر هذه..
هي من ستشهد عليك وتفضحك...
ستفضحك يا سمير أتسمع.. ستفضحك ".
عندها ضحك سمير بصوت عالٍ
دون أن يشعر وهو يقول:
قال قطرات المطر ستفضحني
قال..هههههههه
فسمعت زوجته ماقاله، وجلست تحثه
وتُلحُّ عليه أن يخبرها عن ما يعنيه،
وهو يحاول التهرب
من الإجابة فقالت له:
إن لم تخبرني.. فهذا يعني أنك لا تحبني
ولا تثق بي.. وأنا لا أقبل أن أعيش
مع زوجي الذي أحب،
وهو لا يثق بي، سآخذ حقيبتي
وأترك لك البيت إلى غير رجعة.
هنا حزن سمير وخاف أن يخسر
زوجته التي يحبها جدا.
وأخبرها بكل حكايته كاملةً، وطلب
منها أن تكتم هذا السر طوال حياتها.
وبعد مضي سنوات عديدة، وسمير
يعيش مع زوجته في بيتهم الكبير،
ولكن...!!! شاء الله بأن يكون عقيما
ولا ينجب أطفالا أبدا،
وزوجته تحلم بأن يكون لها طفل
صغير يملي عليها حياتها.
وبدأت المشاكل تكبر بينه وبين زوجته
يوما بعد يوم، وفي يوم كانا
يتشاجران كعادتهما، غضب سمير
بشدة وصار يتهمها بأنها هي التي
لا تنجب، وبأنه سيتزوج امرأة ثانية
حتى تنجب له ولدا يرثه من بعده.
فجن جنونها حين سمعت كلماته تلك،
وصارت تتلفظ بكلمات جارحة
وتقول بأنه ليس رجلا صحيحا
ولا ينجب أطفالا نهائيا
وهي التي كانت تتحمله كل
هذه السنين.
فاشتعل غضبا، وهجم عليها
وصار يضربها بشدة إلى أن
استطاعت الهرب منه إلى خارج
المنزل وذهبت إلى أهلها.
وحين وصلت إلى أهلها وأخبرتهم ما
فعل بها، جنَّ جنونهم أيضاً،
ولشدّة غضبها منه، لم تتمالك نفسها
وأخبرت أخاها عن السرّ الكبير الذي
يخفيه زوجها عن كل الدنيا.
فتوجه أخوها إلى قسم الشرطة،
وأخبرهم بكل شيء كما سمع من أخته.
فألقي القبض عليه فورا، وطلب منه
الضابطفي التحقيق أن يدلهم أين دفن
صاحبه محمود، وعندما أخذهم
إلى المكان الذي دفنه فيه،
بدأ رجال الشرطة يحفرون في الأرض
للبحث عن جثة محمود.
ولما شاهد سمير ما يحصل،
ورأى قطرات المطر
تتساقط على الأرض أمامه.
عندها جُنَّ جنونه فجأة وصار
يصرخ قائلا:
لقد كشفتني قطرات المطر يا محمود..
هل أنت سعيد الآن يا محمود..
فضحتني، وكشفتني قطراتك تلك.
كشفتني، كشفتني...!!